فصل: تفسير الآيات (17- 33):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآيات (8- 16):

{فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ (8) وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (9) وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ (13) أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ (14) إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (15) سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (16)}
{وَدُّوا لو تُدْهِنُ فَيدْهِنونَ} فيه ستة تأويلات:
أحدها: معناه ودوا لو تكفر فيكفرون، قاله السدي والضحاك.
الثاني: ودوا لو تضعُف فيضعُفون، قاله أبو جعفر.
الثالث: لو تلين فيلينون، قاله الفراء.
الرابع: لو تكذب فيكذبون، قاله الربيع بن أنس.
الخامس: لو ترخص لهم فيرخصون لك، قاله ابن عباس.
السادس: أن تذهب عن هذا الأمر فيذهبون معك، قاله قتادة.
وفي أصل المداهنة وجهان:
أحدهما: مجاملة العدو وممايلته، قال الشاعر:
لبَعْضُ الغَشْم أحزْم أمورٍ ** تَنوبُك مِن مداهنةِ العدُوِّ.

الثاني: أنها النفاق وترك المناصحة، قاله المفضل، فهي على هذا الوجه مذمومة، وعلى الوجه الأول غير مذمومة.
{ولا تُطِعْ كلَّ حَلاَّفٍ مَهينٍ} فيه أربعة أوجه:
أحدها: أنه الكذاب، قاله ابن عباس.
الثاني: الضعيف القلب، قاله مجاهد.
الثالث: أنه المكثار من الشر، قاله قتادة.
الرابع: أنه الذليل بالباطل، قاله ابن شجرة.
ويحتمل خامساً: أنه الذي يهون عليه الحنث.
وفي من نزل ذلك فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنها نزلت في الأخنس بن شريق، قاله السدي.
الثاني: الأسود بن عبد يغوث، قاله مجاهد.
الثالث: الوليد بن المغيرة، عرض على النبي صلى الله عليه وسلم مالاً وحلف أن يعطيه إن رجع عن دينه، قاله مقاتل.
{هَمَّازٍ مَشّاءٍ بِنميمٍ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه الفتّان الطعان، قاله ابن عباس وقتادة.
الثاني: أنه الذي يلوي شدقيه من وراء الناس، قاله الحسن.
الثالث: أنه الذي يهمزهم بيده ويضربهم دون لسانه، قاله ابن زيد، والأول أشبه لقول الشاعر:
تُدْلي بِوُدٍّ إذا لاقيتني كذباً ** وإن أغيبُ فأنت الهامز اللُّمَزة.

{مشّاءٍ بنميم} فيه وجهان:
أحدهما: الذي ينقل الأحاديث من بعض الناس إلى بعض، قاله قتادة.
الثاني: هو الذي يسعى بالكذب، ومنه قول الشاعر:
ومَوْلى كبيْتِ النمل لا خير عنده ** لمولاه إلا سعية بنميم

وفي النميم والنميمة وجهان:
أحدهما: أنهما لغتان، قاله الفراء.
الثاني: أن النميم جمع نميمة.
{منّاعٍ للخيْرِ} فيه وجهان:
أحدهما: للحقوق من ظلم.
الثاني: الإسلام يمنع الناس منه.
{عُتُلٍّ بَعْد ذلك زنيمٍ} يعني بعد كونه {منّاعٍ للخيرٍ}
معتدٍ أثيم، هو عتل زنيم، وفيه تسعة أوجه:
أحدها: أن العُتُلّ الفاحش، وهو مأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم:
الثاني: أنه القوي في كفره، قاله عكرمة.
الثالث: أنه الوفير الجسم، قاله الحسن وأبو رزين.
الرابع: أنه الجافي الشديد الخصومة بالباطل، قاله الكلبي.
الخامس: أنه الشديد الأسر، قاله مجاهد.
السادس: أنه الباغي، قاله ابن عباس.
السابع: أنه الذي يعتِل الناس، أي يجرهم إلى الحبس أو العذاب، مأخوذ من العتل وهو الجر، ومنه قوله تعالى: {خذوه فاعتِلوه} [الحاقة: 30].
الثامن: هو الفاحش اللئيم، قاله معمر، قال الشاعر:
يعتل من الرجال زنيم ** غير ذي نجدةٍ وغير كريم.

التاسع: ما رواه شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غَنْم، ورواه ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يدخل الجنةَ جواظٌ ولا جعظري ولا العتلّ الزنيم» فقال رجل: ما الجواظ وما الجعظري وما العتل الزنيم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الجواظ الذي جمع ومنع، والجعظري الغليظ، والعتل الزنيم الشديد الخلق الرحيب الجوف، المصحح الأكول الشروب الواجد للطعام، الظلوم للناس».
وأما الزنيم ففيه ثماني تأويلات:
أحدها: أنه اللين، رواه موسى بن عقبة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
الثاني: أنه الظلوم، قاله ابن عباس في رواية ابن طلحة عنه.
الثالث: أنه الفاحش، قاله إبراهيم.
الرابع: أنه الذي له زنمة كزنمة الشاة، قال الضحاك: لأن الوليد بن المغيرة كان له أسفل من أذنه زنمة مثل زنمة الشاة، وفيه نزلت هذه الآية، قال محمد بن إسحاق: نزلت في الأخنس بن شريق لأنه حليف ملحق ولذلك سمي زنيماً.
الخامس: أنه ولد الزنى، قاله عكرمة.
السادس: أنه الدعيّ، قال الشاعر:
زنيمٌ تَداعاه الرجالُ زيادةً ** كما زِيدَ في عَرْضِ الأديمِ الأكارعُ

السابع: أنه الذي يعرف بالأُبنة، وهو مروي عن ابن عباس أيضاً.
الثامن: أنه علامة الكفر كما قال تعالى: {سنسمه على الخرطوم}، قاله أبو رزين.
{أنْ كان ذا مالٍ وبنينَ} قيل إنه الوليد بن المغيرة، كانت له حديقة بالطائف، وكان له اثنا عشر ابناً، حكاه الضحاك.
وقال عليّ بن أبي طالب: المال والبنون حرث الدنيا، والعمل الصالح حرث الآخرة.
{إذا تتْلى عليه آياتُنا} يعني القرآن.
{قال أساطيرُ الأوّلين} يعني أحاديث الأولين وأباطيلهم.
{سَنَسِمُهُ على الخُرطومِ} فيه أربعة أقاويل:
أحدها: أنها سمة سوداء تكون على أنفه يوم القيامة يتميز بها الكافر، كما قال تعالى: {يُعْرَفُ المجرمون بسيماهم} [الرحمن: 41].
الثاني: أنه يضرب في النار على أنفه يوم القيامة، قاله الكلبي.
الثالث: أنه إشهار ذكره بالقبائح، فيصير موسوماً بالذكر لا بالأثر.
الرابع: هو ما يبتليه اللَّه به في الدنيا في نفسه وماله وولده من سوء وذل وصَغار، قاله ابن بحر واستشهد بقول الأعشى.
فدَعْها وما يَغنيك واعمد لغيرها ** بشِعرك واغلب أنف من أنت واسم.

وقال المبرد: الخرطوم هو من الناس الأنف، ومن البهائم الشفة.

.تفسير الآيات (17- 33):

{إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (17) وَلَا يَسْتَثْنُونَ (18) فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (19) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (20) فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ (21) أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ (22) فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ (23) أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (24) وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ (25) فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (26) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (27) قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ (28) قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (29) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ (30) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ (31) عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ (32) كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (33)}
{إنا بَلَوناهم كما بَلَوْنا أَصْحابَ الجَنَّةِ} فيهم قولان:
أحدهما: إن الذين بلوناهم أهل مكة بلوناهم بالجوع كرتين، كما بلونا أصحاب الجنة حتى عادت رماداً.
الثاني: أنهم قريش ببدر.
حكى ابن جريج أن أبا جهل قال يوم بدر خذوهم أخذاً واربطوهم في الحبال، ولا تقتلوا منهم أحداً، فضرب اللَّه بهم عند العدو مثلاً بأصحاب الجنة.
{إذ أَقْسموا لَيَصرِمُنّها مُصْبِحينَ} قيل إن هذه الجنة حديقة كانت باليمن بقرية يقال لها ضَروان، بينها وبين صنعاء اليمن اثنا عشر ميلاً، وفيها قولان:
أحدهما: أنها كانت لقوم من الحبشة.
الثاني: قاله قتادة أنها كانت لشيخ من بني إسرائيل له بنون، فكان يمسك منها قدر كفايته وكفاية أهله، ويتصدق بالباقي، فجعل بنوه يلومونه ويقولون: لئن ولينا لنفعلن، وهو لا يطيعهم حتى مات فورثوها، فقالوا: نحن أحوج بكثرة عيالنا من الفقراء والمساكين {فأقسموا ليصرُمنّها مصبحين} أي حلفوا أن يقطعوا ثمرها حين يصبحون.
{ولا يَسْتَثْنونَ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: لا يستثنون من المساكين، قاله عكرمة.
الثاني: استثناؤهم قول سبحان ربنا، قاله أبو صالح.
الثالث: قول إن شاء اللَّه.
{فطاف عليها طائفٌ مِن ربِّك وهم نائمونَ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أمر من ربك، قاله ابن عباس.
الثاني: عذاب من ربك، قاله قتادة.
الثالث: أنه عنق من النار خرج من وادي جنتهم، قاله ابن جريج.
{وهم نائمون} أي ليلاً وقت النوم، قال الفراء: الطائف لا يكون إلا ليلاً.
{فأصبحت كالصَريم} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: كالرماد الأسود، قاله ابن عباس.
الثاني: كالليل المظلم، قاله الفراء، قال الشاعر:
تطاولَ ليلُكَ الجَوْنُ البهيمُ ** فما ينجاب عن صبحٍ، صَريمُ

الثالث: كالمصروم الذي لم يبق فيه ثمر.
روى أسباط عن ابن مسعود أنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «أياكم والمعاصي، إن العبد ليذنب فيحرم به رزقاً قد كان هيئ له»، ثم تلا: {فطاف عليها طائف من ربك} الآيتين قد حرموا خير جنتهم بذنبهم.
{فتنادَوْا مُصبِحينَ} أي دعا بعضعهم بعضاً عند الصبح.
{أنِ اغْدُوا على حَرْثِكم} قال مجاهد: كان الحرث عنباً.
{إن كنتم صارمين} أي عازمين على صرم حرثكم في هذا اليوم.
{فانْطَلَقُوا وهم يتخافتونَ} فيه أربعة أوجه:
أحدها: يتكلمون، قاله عكرمة.
الثاني: يخفون كلامهم ويسرونه لئلا يعلم بهم أحد، قاله عطاء وقتادة.
الثالث: يخفون أنفسهم من الناس حتى لا يروهم.
الرابع: لا يتشاورون بينهم.
{أن لا يدخُلَنّها اليومَ عليكم مِسكين} قاله يحيى بن سلام.
{وَغَدَوْا على حَرْدٍ قادرين} فيه تسعة أوجه:
أحدها: على غيظ، قاله عكرمة.
الثاني: على جَدٍّ، قاله مجاهد.
الثالث: على منع، قاله أبو عبيدة.
الرابع: على قصد، ومنه قول الشاعر:
أقْبَلَ سيلٌ جاء من عندِ اللّه ** يحْرِدُ حَرْدَ الجَنّة المُغِلّة

اُي يقصد قصد الجنة المغلة.
الخامس: على فقر، قاله الحسن.
السادس: على حرص، قاله سفيان.
السابع: على قدرة، قاله ابن عباس.
الثامن: على غضب، قاله السدي.
التاسع: أن القرية تسمى حرداً، قاله السدي.
وفي قوله: {قادرين} ثلاثة أوجه:
أحدها: يعني قادرين على المساكين، قاله الشعبي.
الثاني: قادرين على جنتهم عند أنفسهم، قاله قتادة.
الثالث: أن موافاتهم إلى جنتهم في الوقت الذي قدروه، قاله ابن بحر.
ويحتمل رابعاً: أن القادر المطاع بالمال والأعوان، فإذا ذهب ماله تفرق أعوانه فعُصيَ وعجز.
{فلمّا رأوْها قالوا إنا لَضالُّون} أي أنهم لما رأوا أرض الجنة لا ثمرة فيها ولا شجر قالوا إنا ضالون الطريق وأخطأنا مكان جنتنا، ثم استرجعوا فقالوا: {بل نحن محرومون} أي حُرمنا خير جنتنا، قال قتادة: معناه جوزينا فحُرمنا.
{قال أَوْسَطُهم} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: يعني أعدلهم، قاله ابن عباس.
الثاني: خيرهم، قاله قتادة.
الثالث: أعقلهم، قاله ابن بحر.
{أَلَمْ أقُل لكم لولا تُسَبَّحونَ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: لولا تستثنون عند قولهم {ليصرمنها مصبحين}، قاله ابن جريج.
الثاني: أن التسبيح هو الاستثناء، لأن المراد بالاستثناء ذكر اللَّه، وهو موجود من التسبيح.
الثالث: أن تذكروا نعمة اللَّه عليكم فتؤدوا حقه من أموالكم.